للكاتب : أ.د. ناصر العمر
بدءًا قد يكون وصف ما يلي بالأسباب المعنوية وصفًا غير دقيق، لكن له حظه من الصواب في اصطلاح الناس على الأقل، وإلاّ فكثير من الأسباب المعنوية يمكن أن نقول هي أسباب شرعية، وصاحبها يقوم بعمل ظاهر، وليست مجرد أحاسيس نفسية ومشاعر متولدة دون مقدمات، والمقصود أن ثمة أمورًا تسبب نتائج، وتؤثر في وقائع ملموسة إذا أخذ المسلم بها كانت من أهم أسباب نجاح مقاصده، ولا يخفاك هنا أن الأخذ بها لا يكون مجردًا عن الأخذ معها بما سواها، ولا ينفي ذلك كونها أسبابًا فمن المقرر عند علمائنا أنه ليس ثمة سبب مخلوق يستقل بالتأثير، فالسحاب مثلًا لا يستقل بإنزال المطر، بل لابد له من ريح تسوقه، وتوافر ظروف جوية تكفل تكثف الماء ونزوله عندها، وهكذا كثير من النتائج إنما تتولد جراء جملة أسباب وظروف تتهيأ.
ولعل من أهم الأسباب المعينة للمؤمن في نجاح المقصود وهو تلك الأسباب المعنوية، وهي قسمان: دينية ودنيوية، فالدينية منها تكفل له معونة رب الأرباب ومسبب الأسباب -سبحانه وتعالى-، وهذا ينبيك بعظم شأنها، وأما الدنيوية فأشياء خلقها ربنا دل الشرع والعقل على أنها أسباب، ومن تلك الأسباب المعنوية ما يلي:
أولًا: الإيمان، فآثاره الناجمة من قرب الرحمن، وولايته ومعيته الخاصة لعبده المقتضية للنصر والحفظ والرعاية، لاينكرها مؤمن، وإن شُرِط لها فعل الأمر وبذل الطاقة والأسباب الممكنة، فإذا فعل العبد المؤمن ذلك، فبذل جهده لكن قصر ذلك المجهود في العادة عن تحقيق المقصود، فإن الإيمان يكمله، وتأمل: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: من الآية249]، {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} [آل عمران: من الآية13]، وغيرهما من الآيات، وشرط هذا أن يفعل المسلمون ما أمروا به من الإعداد الواجب، وأن لا يستعجلوا فإن اُضطُروا، أو بذلوا غاية وسعهم وقَصَّر عن مكافأة عُدد عدوهم فالله ناصرهم ومظهرهم، أما من خالف أمر الله فلم يعد ما استطاع ولم يبذل ما كُلِّف ببذله من الأسباب فجدير بأن لا يظهر.
ثانيًا: من الأسباب المعنوية الدعاء، فالله قريب مجيب: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]، فبالدعاء ييسر الله من الأسباب المادية ما لم يكن متيسرًا، وقد يجري من الأمور أشياء خلاف العادة بغير الأسباب المعتادة كما استجاب لإبراهيم -عليه السلام- ووهبه الذرية، وكذلك زكريا بعد أن وهن العظم واشتعل الرأس شيبًا، وكما أنبتت الأرض لبني إسرائيل، وكم من نجا بعد أن دعا من موت محقق، في الفلك والموج يضطرب أو في غيره!
ثالثًا: ومنها الذكر والاستغفار، فبه يصرف الله عن المرء السوء، ويحفظه فلا يزال عليه ببعض الأذكار من الله حافظ، وقد يهيئ له من أسباب السعادة ببركة الذكر والاستغفار ما يشاء، وفي سورة نوح: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} [نوح: 10-12]، وفضائل الأذكار وما يوقى به المرء بسببها من الأخطار كثيرة، فبعضها إذا نزل منزلًا لم يضره كما في مسلم: «من نزل منزلًا ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك» [الراوي: خولة بنت حكيم، المحدث: مسلم، صحيح]، و «أما إن أحدكم إذا أتى أهله، وقال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فرزقا ولدا لم يضره الشيطان» [الراوي: عبدالله بن عباس، المحدث: البخاري، صحيح]، وفضائل الأذكار وما يترتب عليها من الخير والبركة أكثر من أن يذكر بعضه هنا.
رابعًا: ومنها قراءة القرآن، والقرآن وإن كان من جملة الذكر لكني أحببت التأكيد عليه، فلقراءة القرآن بتفكر وتدبر بركة عظيمة تعود على القارئ، فهي سبب لزيادة الإيمان، والقرب من الرحمن، والاعتبار بما فيه من القصص والأخبار، وتذكير المرء نفسه بالصبر والمجاهدة والعزيمة على الرشد ومجانبة ما لا يحبه الله ويراه، كما أنه شفاء لكل الآفات النفسية والشيطانية والجسدية المادية المحسوسة.
خامسًا: ومن الأسباب المعنوية أعمال القلوب الشرعية كالرجاء والخوف والحب، وكثير من أعمال القلوب لها آثار على الجوارح، وعلى نفس المرء، تؤثر تجاه تعامله مع ما يلاقيه من الأحدث، يخاف المرء فيبذل من الأسباب ما لا يستطيع بذله حال أمنه، ويحب فيتحمل من الصعاب ما لا يتحمله لو خلا القلب من المحبة، ويرجو خيرًا فيضاعف بذله.
وهذا السبب لا يقتصر على السعي في أمور الآخرة وتحصيل ما تكون به النجاة في يوم المعاد، بل حتى في شؤون الدنيا لأعمال القلوب أثر في إنجاح الجهود ومضاعفتها، وهذا يبدو لك بأدنى ملاحظة، كم من رجل قوي عنده الحب أو الخوف فعمل ما لم يكن ليعمله! يذكرون أن رجلًا تقدمت به السن فرأوه قد وثب وثبة منكرة تجاوز بها فرعًا من نهر، فلما سألوه أشار إلى صرة -كيس نقود- ربطه في وسطه كان بجانب النهر، فبدا لهم سر نشاطه! وتذكر كتب الأدب خبر حذيفة الخير بن بدر الذي يضرب به المثل حتى قال قيس بن الخطيم:
هممنا بالإقامة ثم سرنا *** مسير حذيفة الخير بن بدر!
وذلك أن حذيفة أغار على هجان ثم علم أنها للنعمان بن المنذر بن ماء السما فسار هاربًا في ليلة مسيرة ثمان ليال من خوف خطره!
سادسًا: من الأسباب المعنوية المهمة بث التفاؤل، وأسبابه كثيرة ولله الحمد، فالنظرة إلى الأحداث بنوع من التفاؤل، وإبصار الجانب المشرق منها -دون غلو فيه- له أثر أولًا في التقييم الصحيح للأوضاع، وثانيًا: في طريقة التعامل معها، وتوظيف الجوانب المشرقة منها، وشحذ الهمم بها، والتخفيف عن المسلمين بجذب الأنظار إليها تخفيفًا لا يخدرهم لكن يذهب انكسارهم وفقدانهم الأمل في أمور فيها بحمد الله أمل ومتسع.
سابعًا: من الأسباب المعنوية التشجيع والتحفيز القولي وأثره على الفاعلية والإيجابية عظيم، وهذه مسألة ظاهرة تلاحظها في الأطفال والكبار، كما أن التثبيط والتخذيل بضد ذلك، ولهذا منع خروج المخذل والمرجف في الجيش، وأسلوب التشجيع والتحفيز مما كان يستخدمه نبينا -صلى الله عليه وسلم-، فكان يحض أقوامًا على الرماية بمثل قوله: «ارموا بني اسماعيل فإن أباكم كان راميا» [الراوي: أبو هريرة، المحدث: الألباني، صحيح] وآخرين على الدعوة بقوله: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا، خير لك من أن يكون لك حمر النعم» [الراوي: سهل بن سعد الساعدي، المحدث: البخاري، صحيح] وغيرهم على الجهاد باللسان: «اهجو قريشا، فإنه أشد عليهم من رشق بالنبل» [الراوي: عائشة، المحدث: مسلم، صحيح]، وآخرين على الجهاد بالنبال: «ارم فداك أبي وأمي» [الراوي: علي بن أبي طالب، المحدث: مسلم، صحيح]، فهذا التشجيع له أثر في صبر النفوس وقدرتها على معالجة الصعاب عظيم. وأنت تلحظ أثره بجلاء إذا شجعت طفلك الصغير الذي بدء في المسير على صعود الدرج مثلًا، ويلحظه الجماهير بالآلاف على المدرجات إذ كثيرًا ما يعتذر الرياضيون عن خسران فريق من قبل فريق مقارب له بأن المبارة كانت في ملعب الثاني وبين جمهوره، وما تسمعون به اليوم من حروب إعلامية ما هي إلاّ واحدة من مظاهر استجلاب النصر بأسباب معنوية تؤثر في النفوس دون أن تكون لها حقيقة واقعية.
وإجمالًا فإن الأثر النفسي قد يُصح وقد يمرض بل قد يقتل، وقد سمعنا بمن مات في مدرجه إثر هدف سجل في شباك فريقه الذي فاز بعدها بهدفين! كما سمعنا بمن خر مغشيًا عليه جراء آية تلاها! وشتان شتان ما بين الإثنين.
والمقصود هذه صورة توضح المقصود بالأسباب المعنوية وتبين أن علينا أن نعتني بها كما نعتني بالأسباب المادية، والعجيب أن الغربيين مع اختلاف مذاهب كفرهم لهم عناية بهذا الجانب؛ أعني الأسباب المعنوية وتأثيرها على الأمور الحسية، بل أنظمة الدول الحديثة أصبحت تعتمد في كثير من أجهزتها على الأسباب المعنوية، فتجد في جيوش البلاد -حتى الكفرية- إدارة التوجيه المعنوي، ومتخصصي الحروب النفسية، وهلم جرا.
وكذلك في دورات ما يسمى بتطوير الذات تجد التدريب باستخدام أسباب نفسية معنوية أو على استعمال كثير من الأسباب المعنوية.
غير أن الأسباب المعنوية الشرعية تتجاوز التأثير في الأسباب المادية بما يخرج عن عادة قانون الأسباب المادية كما أشير إليه في ما مضى، وعند المسلمين منها ما لا يوجد عند أمة، ولن يعدم فاعلها أجرًا إذا أحسن النية، فهلا أخذنا بها! لكن حذاري من أن تجعل مجرد أسباب يتوصل بها إلى مقاصد الدنيا فقد قيل: "من الشرك إرادة العبد بعمله الدنيا".
أ.د. ناصر العمر -5/4/1431 هـ
موقع المسلم
بدءًا قد يكون وصف ما يلي بالأسباب المعنوية وصفًا غير دقيق، لكن له حظه من الصواب في اصطلاح الناس على الأقل، وإلاّ فكثير من الأسباب المعنوية يمكن أن نقول هي أسباب شرعية، وصاحبها يقوم بعمل ظاهر، وليست مجرد أحاسيس نفسية ومشاعر متولدة دون مقدمات، والمقصود أن ثمة أمورًا تسبب نتائج، وتؤثر في وقائع ملموسة إذا أخذ المسلم بها كانت من أهم أسباب نجاح مقاصده، ولا يخفاك هنا أن الأخذ بها لا يكون مجردًا عن الأخذ معها بما سواها، ولا ينفي ذلك كونها أسبابًا فمن المقرر عند علمائنا أنه ليس ثمة سبب مخلوق يستقل بالتأثير، فالسحاب مثلًا لا يستقل بإنزال المطر، بل لابد له من ريح تسوقه، وتوافر ظروف جوية تكفل تكثف الماء ونزوله عندها، وهكذا كثير من النتائج إنما تتولد جراء جملة أسباب وظروف تتهيأ.
ولعل من أهم الأسباب المعينة للمؤمن في نجاح المقصود وهو تلك الأسباب المعنوية، وهي قسمان: دينية ودنيوية، فالدينية منها تكفل له معونة رب الأرباب ومسبب الأسباب -سبحانه وتعالى-، وهذا ينبيك بعظم شأنها، وأما الدنيوية فأشياء خلقها ربنا دل الشرع والعقل على أنها أسباب، ومن تلك الأسباب المعنوية ما يلي:
أولًا: الإيمان، فآثاره الناجمة من قرب الرحمن، وولايته ومعيته الخاصة لعبده المقتضية للنصر والحفظ والرعاية، لاينكرها مؤمن، وإن شُرِط لها فعل الأمر وبذل الطاقة والأسباب الممكنة، فإذا فعل العبد المؤمن ذلك، فبذل جهده لكن قصر ذلك المجهود في العادة عن تحقيق المقصود، فإن الإيمان يكمله، وتأمل: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: من الآية249]، {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} [آل عمران: من الآية13]، وغيرهما من الآيات، وشرط هذا أن يفعل المسلمون ما أمروا به من الإعداد الواجب، وأن لا يستعجلوا فإن اُضطُروا، أو بذلوا غاية وسعهم وقَصَّر عن مكافأة عُدد عدوهم فالله ناصرهم ومظهرهم، أما من خالف أمر الله فلم يعد ما استطاع ولم يبذل ما كُلِّف ببذله من الأسباب فجدير بأن لا يظهر.
ثانيًا: من الأسباب المعنوية الدعاء، فالله قريب مجيب: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]، فبالدعاء ييسر الله من الأسباب المادية ما لم يكن متيسرًا، وقد يجري من الأمور أشياء خلاف العادة بغير الأسباب المعتادة كما استجاب لإبراهيم -عليه السلام- ووهبه الذرية، وكذلك زكريا بعد أن وهن العظم واشتعل الرأس شيبًا، وكما أنبتت الأرض لبني إسرائيل، وكم من نجا بعد أن دعا من موت محقق، في الفلك والموج يضطرب أو في غيره!
ثالثًا: ومنها الذكر والاستغفار، فبه يصرف الله عن المرء السوء، ويحفظه فلا يزال عليه ببعض الأذكار من الله حافظ، وقد يهيئ له من أسباب السعادة ببركة الذكر والاستغفار ما يشاء، وفي سورة نوح: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} [نوح: 10-12]، وفضائل الأذكار وما يوقى به المرء بسببها من الأخطار كثيرة، فبعضها إذا نزل منزلًا لم يضره كما في مسلم: «من نزل منزلًا ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك» [الراوي: خولة بنت حكيم، المحدث: مسلم، صحيح]، و «أما إن أحدكم إذا أتى أهله، وقال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فرزقا ولدا لم يضره الشيطان» [الراوي: عبدالله بن عباس، المحدث: البخاري، صحيح]، وفضائل الأذكار وما يترتب عليها من الخير والبركة أكثر من أن يذكر بعضه هنا.
رابعًا: ومنها قراءة القرآن، والقرآن وإن كان من جملة الذكر لكني أحببت التأكيد عليه، فلقراءة القرآن بتفكر وتدبر بركة عظيمة تعود على القارئ، فهي سبب لزيادة الإيمان، والقرب من الرحمن، والاعتبار بما فيه من القصص والأخبار، وتذكير المرء نفسه بالصبر والمجاهدة والعزيمة على الرشد ومجانبة ما لا يحبه الله ويراه، كما أنه شفاء لكل الآفات النفسية والشيطانية والجسدية المادية المحسوسة.
خامسًا: ومن الأسباب المعنوية أعمال القلوب الشرعية كالرجاء والخوف والحب، وكثير من أعمال القلوب لها آثار على الجوارح، وعلى نفس المرء، تؤثر تجاه تعامله مع ما يلاقيه من الأحدث، يخاف المرء فيبذل من الأسباب ما لا يستطيع بذله حال أمنه، ويحب فيتحمل من الصعاب ما لا يتحمله لو خلا القلب من المحبة، ويرجو خيرًا فيضاعف بذله.
وهذا السبب لا يقتصر على السعي في أمور الآخرة وتحصيل ما تكون به النجاة في يوم المعاد، بل حتى في شؤون الدنيا لأعمال القلوب أثر في إنجاح الجهود ومضاعفتها، وهذا يبدو لك بأدنى ملاحظة، كم من رجل قوي عنده الحب أو الخوف فعمل ما لم يكن ليعمله! يذكرون أن رجلًا تقدمت به السن فرأوه قد وثب وثبة منكرة تجاوز بها فرعًا من نهر، فلما سألوه أشار إلى صرة -كيس نقود- ربطه في وسطه كان بجانب النهر، فبدا لهم سر نشاطه! وتذكر كتب الأدب خبر حذيفة الخير بن بدر الذي يضرب به المثل حتى قال قيس بن الخطيم:
هممنا بالإقامة ثم سرنا *** مسير حذيفة الخير بن بدر!
وذلك أن حذيفة أغار على هجان ثم علم أنها للنعمان بن المنذر بن ماء السما فسار هاربًا في ليلة مسيرة ثمان ليال من خوف خطره!
سادسًا: من الأسباب المعنوية المهمة بث التفاؤل، وأسبابه كثيرة ولله الحمد، فالنظرة إلى الأحداث بنوع من التفاؤل، وإبصار الجانب المشرق منها -دون غلو فيه- له أثر أولًا في التقييم الصحيح للأوضاع، وثانيًا: في طريقة التعامل معها، وتوظيف الجوانب المشرقة منها، وشحذ الهمم بها، والتخفيف عن المسلمين بجذب الأنظار إليها تخفيفًا لا يخدرهم لكن يذهب انكسارهم وفقدانهم الأمل في أمور فيها بحمد الله أمل ومتسع.
سابعًا: من الأسباب المعنوية التشجيع والتحفيز القولي وأثره على الفاعلية والإيجابية عظيم، وهذه مسألة ظاهرة تلاحظها في الأطفال والكبار، كما أن التثبيط والتخذيل بضد ذلك، ولهذا منع خروج المخذل والمرجف في الجيش، وأسلوب التشجيع والتحفيز مما كان يستخدمه نبينا -صلى الله عليه وسلم-، فكان يحض أقوامًا على الرماية بمثل قوله: «ارموا بني اسماعيل فإن أباكم كان راميا» [الراوي: أبو هريرة، المحدث: الألباني، صحيح] وآخرين على الدعوة بقوله: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا، خير لك من أن يكون لك حمر النعم» [الراوي: سهل بن سعد الساعدي، المحدث: البخاري، صحيح] وغيرهم على الجهاد باللسان: «اهجو قريشا، فإنه أشد عليهم من رشق بالنبل» [الراوي: عائشة، المحدث: مسلم، صحيح]، وآخرين على الجهاد بالنبال: «ارم فداك أبي وأمي» [الراوي: علي بن أبي طالب، المحدث: مسلم، صحيح]، فهذا التشجيع له أثر في صبر النفوس وقدرتها على معالجة الصعاب عظيم. وأنت تلحظ أثره بجلاء إذا شجعت طفلك الصغير الذي بدء في المسير على صعود الدرج مثلًا، ويلحظه الجماهير بالآلاف على المدرجات إذ كثيرًا ما يعتذر الرياضيون عن خسران فريق من قبل فريق مقارب له بأن المبارة كانت في ملعب الثاني وبين جمهوره، وما تسمعون به اليوم من حروب إعلامية ما هي إلاّ واحدة من مظاهر استجلاب النصر بأسباب معنوية تؤثر في النفوس دون أن تكون لها حقيقة واقعية.
وإجمالًا فإن الأثر النفسي قد يُصح وقد يمرض بل قد يقتل، وقد سمعنا بمن مات في مدرجه إثر هدف سجل في شباك فريقه الذي فاز بعدها بهدفين! كما سمعنا بمن خر مغشيًا عليه جراء آية تلاها! وشتان شتان ما بين الإثنين.
والمقصود هذه صورة توضح المقصود بالأسباب المعنوية وتبين أن علينا أن نعتني بها كما نعتني بالأسباب المادية، والعجيب أن الغربيين مع اختلاف مذاهب كفرهم لهم عناية بهذا الجانب؛ أعني الأسباب المعنوية وتأثيرها على الأمور الحسية، بل أنظمة الدول الحديثة أصبحت تعتمد في كثير من أجهزتها على الأسباب المعنوية، فتجد في جيوش البلاد -حتى الكفرية- إدارة التوجيه المعنوي، ومتخصصي الحروب النفسية، وهلم جرا.
وكذلك في دورات ما يسمى بتطوير الذات تجد التدريب باستخدام أسباب نفسية معنوية أو على استعمال كثير من الأسباب المعنوية.
غير أن الأسباب المعنوية الشرعية تتجاوز التأثير في الأسباب المادية بما يخرج عن عادة قانون الأسباب المادية كما أشير إليه في ما مضى، وعند المسلمين منها ما لا يوجد عند أمة، ولن يعدم فاعلها أجرًا إذا أحسن النية، فهلا أخذنا بها! لكن حذاري من أن تجعل مجرد أسباب يتوصل بها إلى مقاصد الدنيا فقد قيل: "من الشرك إرادة العبد بعمله الدنيا".
أ.د. ناصر العمر -5/4/1431 هـ
موقع المسلم
الإثنين يوليو 11, 2011 11:21 am من طرف زائر
» حصرياً كليب هانى شاكر (يا مصر) ديفيدى كواليتى و تحميل مباشر
السبت يونيو 18, 2011 2:06 pm من طرف saif elmontada
» صدق أو لا تصدق ,, علامات الساعة التي ظهرت فيديو مثير للغاية
الخميس أبريل 21, 2011 5:23 pm من طرف زائر
» مطلوب آنسة بيضاء جميلة
الجمعة أبريل 08, 2011 11:53 am من طرف زائر
» أروع مذكرة في النصوص بلا جدال لا تفوتك
الجمعة أبريل 08, 2011 11:42 am من طرف saif elmontada
» حصريا البوم العيد نجم مصر رجب الصغير والبوم(سامحينى)2011
الثلاثاء أبريل 05, 2011 9:06 am من طرف saif elmontada
» WWE.Wrestlemania.XXVII.DSR.XviD-6S7 Avi Version 1.94 Gb , Rmvb Version 704 Mb
الثلاثاء أبريل 05, 2011 8:59 am من طرف saif elmontada
» وسع لقنبلة الصيف:: النجم علي فاروق واغنية اية الي جابك :: حزينة قوي وشدية
الثلاثاء أبريل 05, 2011 8:53 am من طرف saif elmontada
» انفراد النجم رمضان فؤاد فى باقة من اجمل الاغانى
الثلاثاء أبريل 05, 2011 8:49 am من طرف saif elmontada
» انفراد تام النجم طارق الشيخ بلد الحضارات توزيع تامر صقر
الثلاثاء أبريل 05, 2011 8:10 am من طرف saif elmontada
» جدول امتحانات الثانوية العامة 2011 الاخير2011
الجمعة أبريل 01, 2011 2:58 pm من طرف زائر
» جدول امتحانات الثانوية العامة 2011
الجمعة أبريل 01, 2011 2:35 pm من طرف زائر
» تفسير مبسط لقصار السور.. قرآن..
الخميس مارس 31, 2011 8:00 am من طرف saif elmontada
» المسلمانى يطالب بإلغاء نسبة الـ50% عمال وفلاحين
الثلاثاء مارس 29, 2011 6:42 pm من طرف ماتريكس
» اتعلم بورصة.. ما معنى صناديق الاستثمار وهل لها أنواع؟
الثلاثاء مارس 29, 2011 6:38 pm من طرف ماتريكس
» ذكر أنهم يرتكبون عملية ابادة لشعبه الثوار الليبيون يطلقون قناة تلفزيونية من الدوحة
الثلاثاء مارس 29, 2011 6:36 pm من طرف ماتريكس
» د.أشرف حاتم وزير الصحة والسكان كتبت دانه الحديدى
الثلاثاء مارس 29, 2011 6:35 pm من طرف ماتريكس
» لقومى للرياضة يجمد نشاط عضوى مجلس إدارة اتحاد المصارعة الثلاثاء، 29 مارس 2011 - 16:18 حسن صقر رئيس المجلس القومى للرياضة كتب رامى ناجى
الثلاثاء مارس 29, 2011 6:33 pm من طرف ماتريكس
» الأسد يخاطب الشعب غدا.. وحكومة ناجي عطري تستقيل
الثلاثاء مارس 29, 2011 6:33 pm من طرف ماتريكس
» غدًا.. القضاء الإسبانى يفصل فى إضراب الليجا
الثلاثاء مارس 29, 2011 6:31 pm من طرف ماتريكس
» عبد الحفيظ يُنهى أزمة "إقامة" الأهلى فى جنوب أفريقيا
الثلاثاء مارس 29, 2011 6:29 pm من طرف ماتريكس
» تحميل اغنيه محمد عز واغنية شارع الاحزان
الخميس مارس 24, 2011 1:01 pm من طرف saif elmontada
» اغنية محمد عز شارع الاحزان شعبى جديد 2011
الخميس مارس 24, 2011 12:57 pm من طرف saif elmontada
» حصريا أغنية بهاء سلطان انتي الغاليه يا بلادي Master Q 320Kbps علي اكتر من سيرفر
الخميس مارس 24, 2011 12:49 pm من طرف saif elmontada
» حصريا 114 لعبه من افضل العاب 2011 لموبيلات نوكيا الجيل الثانى والتالت بصيغه Jar على اكثر من سيرفر
الخميس مارس 24, 2011 12:42 pm من طرف زائر